Skip to content

دعوة لفرض مقاربة مقاوِمة في مختلف الساحات

مقال لمبادرة الدولة الديمقراطية الواحدة نُشر على صحيفة القدس العربي

لطالما استخدم العدو سلاح الإعلام لفرض هيمنة ثقافية على مفاهيمنا وخطابنا، وبالتالي مواقفنا السياسية. ففلسطينو الـ48 يصبحون “عرب” الـ48، والمحتلون العرب يصحبون “مزراحيم”، واحتلال 80% من فلسطين يصبح “حل” الدولتين، واتفاقات التطبيع تصبح اتفاقات “سلام”. واليوم، فيما يواجه شعبنا في غزة أولًا وفي الضفة ولبنان ثانيًا آلة التدمير الصهيونية، اصبح إطلاق حملة إعلامية مقاومة ضرورة ملحّة، وهذا في خمس ساحات على الأقل.

أوّلًا- الساحة الغزاوية: تشجيع ودعم من أجل الصمود

أُقيمت إسرائيل على أساس زعم وهو أن “فلسطين الملاذ الآمن الوحيد ليهود العالم”. وعليه، خضّ الهجوم المضاد الذي نفذته المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين شرعية الكيان المزعومة. كما أن المشروع الصهيوني يسعى منذ تأسيسه لاحتلال أكبر مساحة من الأرض بأقل عدد من سكانها الأصليين. لهذين السببين، ينفّذ العدو اليوم خطة تطهير عرقي في غزة. لا شك أن للمقاومة في الميدان الدور الحاسم في إفشال هذا المخطط. إلا أن صمود أهل غزة أو رضوخهم تحت القمع ولجوئهم إلى سيناء يقف على موازين قوى عدة، قد يكون وضعهم النفسي في جوهرها. وهو ما يستهدفه العدو حين يعلن عن انتهاء حماس ويطلق شائعات أخرى بهدف كسر معنويات الغزاويين. فلا بد من مواجهة مساعي العدو من خلال إطلاق حملة إعلامية بهدف تقوية عزيمتهم. وقد تشمل عناوين الحملة تظهير إنجازات المقاومة الميدانية، تظهير اعترافات العدو بخسائرهم واستحالة انتصارهم، مشاركة أدلة على وقوف المجتمعات العربية وعدد متزايد من الحلفاء في “الغرب” إلى جانب فلسطين، وغيرها من الرسائل التي تخاطب العقل والقلب على حد سواء.

ثانيًا- ساحتي الضفة وفلسطين ال٤٨: تحريض للانتفاض

قام العدو بأول إيام “طوفان الأقصى” بفرض قيود قمعية على فلسطينيي الـ48 وبتوقيف ألوف الفلسطينيين في الضفة الغربية، لاسيما القياديين الذين بامكانهم لعب دور تنظيمي أساسي في انتفاضة شعبية هناك، فنجح في شلّ حركة الفلسطينيين خارج غزة. لكنه ما زال باستطاعتهم النهضة لنصرة غزة، من خلال مقاومة مسلحة و/أو شعبية تشبه “هبّة” الشيخ جراح، بما في ذلك “تحرير اللدّ” الذي لن ننساه. وبالإضافة إلى الجهود التنظيمية الميدانية، يمكن لحملة إعلامية مدروسة أن تشير إلى نية العدو ترحيل أهل الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية وحتى ترحيل الفلسطينيين المجنّسين قصرًا، وتظهر احتضار وعجز سلطة رام الله وتدعو مسلحيها لاتخاذ موقف مغاير، وتحرّض كل الفلسطينيين إلى الاستنفار والاستعداد لانتفاضة على كامل تراب فلسطين.

ثالثًا- الساحة العربية: التطبيع ليس حلًّا، المشروع الصهيوني خطر على مجتمعاتكم

لا شك أن عدد من العرب الداعيين للتطبيع مع إسرائيل يقعون في خانة العملاء والخونة بكل ما للكلمتين من معنى. ألا أن عدد لا يستهان به من العرب بات يتقبّل التطبيع، إن كان من باب اليأس والرضوخ، أو من باب النظر في جدواه (“اتفاق كامب دايفد أعادت سيناء إلى مصر وحمتها من آلة الحرب الإسرائيلية على 45 عامًا”)، أو من باب عدم الاقتناع بعدد من السرديات المعادية لإسرائيل ولاسيما السرديات القومجية أو الدينية أو العواطفية. هناك بالتالي حاجة حقيقية لحملة إعلامية تظهر خطر إسرائيل على كل مجتمعات المنطقة من خلال التركيز على خطورة منطلقات المشروع الصهيوني الهوياتية: ففكرة “الدولة لأبناء الدين الواحد” ودعم الكيان لمجموعات هوياتية في المنطقة لعبت دورًا رئيسيًا في تفكيك المجتمعات والأراضي اللبنانية والسورية والعراقية والسودانية وغيرها، وتلعب دورًا كارثيًا في إيقاع الفتنة بين أذربيجان “الشيعية” وأرمينيا “المسيحية” وبين الأكراد والعرب وبين الأمازيغ والعرب وغيرهم. وهذا ما لن تحمِنا اتفاقيات تطبيع منه، فلا حلّ لهذا التأثير الهدام إلا بمواجهة المشروع الصهيوني التفتيتي حتى إفشاله، إي تفكيك أداته “دولة إسرائيل” لا التطبيع مع وجودها.

رابعًا- ساحة العدو: نشر رسائل المقاومة وتظهير فشل المشروع الصهيوني

إن الإعلام سلاح حرب ابتدأت المقاومة الفلسطينية استخدامه من خلال توجيه رسائل في اللغة العبرية، لاسيما الحرب النفسية المتعلقة بمصير الرهائن ورسائل “حكومتكم تكذب عليكم”. إلا أن هذه الرسائل يتمّ تداولها بشكل شبه حصري بين الفلسطينيين والعرب، لا “الجمهور المستهدف” الصهيوني. هناك حاجة لإيصال رسائل المقاومة هذه إلى العدو بغية التأثير على موازين القوى وبدل اقتصار الحملة الإعلامية “بالدفاع”. كما أنه يمكن استهداف العدو (مع الحرص على إحادية اتجاه الخطاب، فنحن لا ندخل في نقاشات مع المستوطنين) لإيصال رسائل تلعب على تناقضاتهم الداخلية وتظهر اعتراف قادتهم وحلفائهم باستحالة هزيمة المقاومة وتفضح أكاذيب البروبغاندا الصهيونية وتظهر فشل المشروع الصهيوني في تأمين “الأمان” لمستوطنيه.

خامسًا- ساحة الـ”غرب”: المشروع الصهيوني خطر على مجتمعاتكم، المؤسسات الدولية ليست مرجعًا بل أدوات عدوانية، والمقاومة حتى تفكيك الكيان محقة

ساهم الإعلام البديل في خلق وعي عام داعم للقضية الفلسطينية في مجتمعات أوروبا وأمريكا الشمالية وغيرها من البلدان. وهناك حاجة للمراكمة على ما قد سبق وبنيناه، ويشمل ذلك: التشجيع على الانتقال من التضامن إلى الانتظام السياسي ومن السعي للتأثير على السلطة للسعي للوصول إلى السلطة، إبراز تأثير المشروع الصهيوني المفتت على مجتمعاتهم (ولا بد هنا من الإشارة إلى الرسالة المفتوحة التي وجهها أكثر من 18000 فلسطينيًا للنائبة الأمريكية رشيدة طليب والتي تشير إلى خطر المشروع الصهيوني على عافية ووحدة المجتمع الأمريكي نفسه)، مواجهة البروباغندا الصهيونية بما في ذلك الاتهامات الموجهة إلى المقاومة الفلسطينية وتهمة “معاداة السامية”، نزع قدسية المؤسسات الدولية والقانون الدولي منها، دفن طرح الدولتين وإزالته من خطاب أحزابهم وحكوماتهم، والعمل على التطبيع مع المقاومة المسلحة ومع الحاجة لتفكيك الكيان الاستيطاني برمّته.

يشمل إطلاق حملة إعلامية مقاومة مركزة على هذه المحاور الخمس (أو البعض منها، أو غيرها) تجميع الإعلاميين والمؤثرين والمهتمين بالمساهمة في هذه “الهجمة الثقافية المضادة”، وبلورة حجج سياسية يمكن الاتفاق عليها، واختيار منصات وأدوات مناسبة لإيصال الصوت إلى الجماهير المستهدفة لا حصرها بالنخب. وقد بدأ عددًا من الإعلاميين الفلسطينيين والعرب، ومنهم “صحفيون من أجل فلسطين” و “نقابة الصحفيين” المصرية و “حملة مقاطعة داعمي ‘إسرائيل’ في لبنان” و “ملتقى السفير” و “جمعية المترجمين العرب” وحركة “مواطنون ومواطنات في دولة” و “مبادرة الدولة الديمقراطية الواحدة” وغيرها من المجموعات والصحفيون المستقلون، في دراسة إمكانية إطلاق هذه الحملة. وهذه دعوة صريحة لكل قراء هذا المقال للتشبيك معنا ومساندة مقاومة وأهل غزة في صمودهم ومواجهتهم للعدو، حتى التحرير والعودة وإقامة دولة فلسطينية واحدة من النهر إلى البحر.

سجلوا كمؤيدين لحل الدولة الديمقراطية الواحدة