Skip to content

أليس حل الدولة الديمقراطية حلم؟ كيف يقبل الاحتلال به؟

طبعا، لن يقبل الاحتلال بحلّ الدولة الديمقراطية الواحدة، فهو النقيض الجوهري للمشروع الصهيوني. نحن لا نتكلم عن انتظار قبولهم به بل ندعو للعمل لفرضه.

هذا يتطلّب أوّلًا تغيير في مقاربات القيادات الفلسطينية الحالية للقضية. فطرح الدولتين هو طرح استسلامي يعترف بشرعية الدولة اليهودية. طرح الدولة الإسلامية يعطي هو أيضًا شرعية لتقسيم مجتمعات المنطقة إلى دول إحداها لليهود وإحداها للمسيحيين وإحداها للدروز وإحداها للملحدين، ممّا يتناغم مع الزعم الصهيوني القائم على تسييس الهويّة تفكيك المجتمع دينيّا أو طائفيّا أو هويّاتيًّا.

إن فشل طرح الدولتين، وبطش العدوّ المتزايد، وعجز القيادات الفلسطينية عن تأمين العيش الكريم أو تحرير الأرض، كما استشراء الفساد فيها وارتهانها للخارج، كلّها عوامل تدفع عدد متزايد من الفلسطينيين بالعودة إلى الثوابت الوطنية الفلسطينية وللطرح الفلسطيني الأساسي وهو طرح الدولة الديمقراطية الواحدة. تشكّل هذه التطوّرات فرصة لإعادة إحياء هذا الطرح ممّا يستدعي تأسيس حركات فلسطينية تتبناه.

أمّا من الناحية الإسرائيلية، فالوضع مختلف. فوجود الكيان الصهيوني نفسه، دولةً ومجتمعًا، هو نتيجة الحركة الصهيونية. لذا لا يمكننا توقّع قبول الصهاينة بطرح يشكّل النقيض الجوهري لطرحهم. فنجاح طرح الدولة الديمقراطية الواحدة يعني إفشال المشروع الصهيوني، أي إزالة أداته (الدولة اليهودية) وتفكيك مجتمع الفصل العنصري “أبرتهايد” والاستيطان الذي أنتجه. أليس هذا حلم؟

كلا. فمع أن موازين القوى الحالية لمصلحة العدو، لن يستمرّ الوضع كذلك في السنين والعقود المقبلة. وإليكم ثلاثة عوامل ينبغي العمل عليها:

الأول هو المقاومة الفلسطينية المتواصلة والمتّصلة بمشروع إقامة دولة ديمقراطية إذ أنها تفضح الكذبة الصهيونية القائلة “بفلسطين وطن قومي آمن لليهود”.

الثاني هو عزل إسرائيل دوليًّا نتيجة انحدارها على نحو جليّ للفاشية من جهة ونتيجة جهود الفلسطينيين والحلفاء في الخارج من جهة، وهو احتمال اعتبره “معهد دراسات الأمن القومي” الإسرائيلي “أكبر خطر استراتيجي على إسرائيل”.

أما الثالث فهو تناقضات الصهيونية نفسها. فبتوظيفه للدين وإثارته النعرات الطائفيّة، لا يفكّك المشروع الصهيوني المجتمعات التي يستهدفها فحسب، بل أيضًا المجتمعات التي ينبثق منها وينتجها:

  • بمعاملتها مواطني بلاد أ خرى اليهود كأشخاص منتمين لإسرائيل لا إلى مجتمعاتهم ودولهم الفعلية، تحدث الصهيونية شرخًا بينهم وبين مجتمعاتهم، ممّا يزيد أيضًا من الكراهية أو التمييز العنصري ضد اليهود.
  • بخلقها “هوية إسرائيلية” وفرضها كالهويّة اليهودية الوحيدة، كاستبدالها للّغة اليديشية باللغة العبرية أو تحويلها لأموال متبرّعين يهود خارج فلسطين لخدمة مشروعها في فلسطين بدل استعمالها لمصلحة الجاليات اليهودية نفسها، تحدث الصهيونية شرخًا داخل الجاليات اليهودية نفسها. وهذا ما يساهم في انقلاب عدد متزايد من اليهود ضد الصهيوني وهو تطوّر وصفه “معهد دراسات الأمن القومي” الإسرائيلي “بالخطر الاستراتيجي لإسرائيل”.
  • يقع على الحركات أو الأنظمة التي تسيّس الهويّة عبء اصطناع و/أو تحديد هويّات جماعيّة وفرض متخيّلها على أفرادٍ قد لا يشاركونها رؤيتها. وتحض ر هنا الجرائم التي ارتكبها الصّهاينة بحقّ يهودٍ رفضوا المشاركة في استيطان فلسطين، منح إسرائيل الجنسية الإسرائيلية لنازيّين اعتبرتهم يهود، نكران إسرائيل الجنسية الإسرائيلية لأفراد يعتبرون أنفسهم يهود لكنّها لم تعترف بيهوديّتهم، قرارها الاعتراف بيهودية يهود لا يؤمنون بالتوراة وعدم الاعتراف بيهودية يهود يؤمنون بالتوراة والإنجيل، وعرض عدد من سياسيّيها تغييرات على القوانين الإسرائيلية تنكر يهودية 70% من يهود العالم.
  • المجتمع مكوّن من كتل مصالح، أي مجموعات تربطهم مصالح حقيقيّة، مثل الفلّاحين، موظّفي القطاع العام، العائلات ذات الدّخل المحدود، أصحاب البيوت، إلخ. بالمقابل، ليست الطوائف كتل مصالحٍ، أي أنّ ما يجمع أعضاءها هو متخيّل اجتماعيّ منفصل عن واقعهم ومصالحهم الحقيقيّة. لذا، لا يمكن لأيّ خطاب سياسيّ ه ويّاتي أن يتوافق مع احتياجات المجتمع الحقيقيّة. وهذا يتمثل بالفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين الأشكيناز والمزراحيم، انحدار إسرائيل المتزايد نحو الفاشية، تحويل الرساميل من البنوك الإسرائيلية إلى خارجها و خيار عدد متزايد من الإسرائيليين الهجرة المعاكسة من فلسطين إلى خارجها، ممّا دفع رئيس “بنك إسرائيل” إعلان “احتمال وقوع أزمة اقتصادية وشيكة”.
  • “لا نهاية” للشّرخ الهويّاتي. ففي حين يبدو صراع اله ويّات أداةً سهلةً للتّجييش، لا ينتهي الأمر عند مواجهة الغير، بل يعود ليفتّت “القوم” نفسه على أساس اختلافاتها اله وياتيّة الضّمنيّة، وتحديدًا في الحالات التي تستطيع الفئة فيها فرض هيمنتها، ما ي فقِدها عنصر تمايزها عن الغير. وهذا ما يسبّب شرخ بين المؤمنين والملحدين، والثيوقراطيين والعلمانيين، والمثليين والمعادين للمثليين، والأشكيناز والمزراحيم، والروس والأوكران، والبيض والسود، وغيرهم، مما دفع عضو الكنيست غانتز إلى التحذير من وقوع حرب أهلية إسرائيلية.

إن حظوظ انحلال المشروع الصهيوني مرتفعة. لكن هذا لا يعني أن إقامة الدولة الديمقراطية مضمونة. فقد يؤدي زوال الصهيونية إلى فوضى، أو دوامة من العنف الطائفي أو العنصري، أو إقامة دولة عربية أو إسلامية استبدادية على شاكلة دول المنطقة. ومن هنا تأتي الحاجة إلى حشد طاقات مجتمعنا ليس فقط “ضد” الصهيونية ولكن أيضًا “مع” هدف سياسي واضح وسليم: إقامة دولة ديمقراطية واحدة، من النهر إلى البحر.

تعمل مبادرة الدولة الديمقراطية الواحدة على حشد طاقات الأفراد والمجموعات والأحزاب، في فلسطين وخارجها، حول هذه الرؤية. ندعوك للتسجيل كمؤيد/ة لها وللمساهمة في الجهد المبذول لفرضها.

سجلوا كمؤيدين لطرح الدولة الديمقراطية الواحدة