غالبا ما نسمع أو نستخدم مفردات تعبّر عن غضبنا حيال احتلال فلسطين وعداءنا للمشروع الصهيوني. ألا أن العدد من هذه التعابير، ولو كان الدافع خلفها مفهوم وطبيعي، لا يستند إلى منطق متين ولا يخدم روايتنا التحررية. وعليه، لا بدّ من إلقاء نظرة نقدية على هذه المفاهيم وتثبيت أساس عداءنا للمشروع الصهيوني.
«ليعودوا من حيث أتوا»
ولد أكثر من 70% من الإسرائيليين اليهود في فلسطين، غالبيتهم من الجيل الثاني أو الثالث. الدعوة «لعودتهم من حيث أتوا» هي، من حيث لا نقصد، دعوة لاستبقاء أكثرية المستوطنين في أرضنا، حتى بغض النظر عن موقفهم من احتلال وتحرير فلسطين. كما أن مئات الألوف منهم من أصل عراقي أو يمني ولا يمكنهم عمليا العودة من حيث أتوا، ممّا يضعف حجّتنا.
«كلهم أصحاب جنسيات أخرى»
تقدّر نسبة الإسرائليين (بمن فيهم الفلسطينيين المجنسين قصرًا) أصحاب الجنسبات الأخرى بـ10 إلى 22%، ممّا يدلّ على قصور هذا الشعار. فالمقاربة المبنية على طرد ناس بناءًا على عدد الجنسيات التي يحملونها أو سهولة مغادرتهم الأرض ليست متينة ولا متّصلة بالواقع.
«لا تتسع هذه الأرض لهويتين»
لطالما اتسعت فلسطين لهويات دينية وعرقية وثقافية عدّة، ومنها يهود فلسطينيين ويهود وافدين من بلدان أخرى، لاسيما لاجئين هاربين من العنصرية الأوروبية. إن المشروع الصهيوني هو الذي يوظّف الهويات لتبرير مسعاه الاحتلالي الاستيطاني ولتفتيت مجتمعات المنطقة المصابة أصلًا بالانقسامات الهوياتية. لا نطبّع مع منطق «صراع الهويات» الاستعماري!
ليست هذه دعوة لفضّ العداء للمشروع الصهيوني أو التخفيف من حدّته، بل لتثبيت أساس متين له: فنحن لا نحارب العدو على أساس نسبهم، ولا عدد الجنسية التي يحملونها، ولا هويتهم. بل أن ما نواجهه هو المشروع السياسي القائل «بحق اليهود في إقامة دولة خاصة بهم في فلسطين»، ومن نواجههم هم حاملي هذا المشروع.
لن تميّز فلسطين الحرّة على أساس خلفية المرء الإثنية أو الثقافية، ولن تعامل اليهود كما عاملت إسرائيل غير اليهود. لكنها لن تساوم ولا مقدار ذرة مع المشروع الصهيوني؛ ولن يبقى على أرضنا أحد من حامليه. هذا هو مشروعنا التحرري بكامل جذريته ومتانته وجماله، وهذه هي رؤيتنا لفلسطين الغد.